الجمعة، 11 سبتمبر 2009

كبح جماح !!!



النفس البشرية بطبيعتها ميّالة إلى اللهو والعبث حريصة على الاستمتاع بالحياة، بجميع أنواع المتعة المباحة وغير المباحة، دون النظر في عواقب الأمور، ولكن النظرة النقية الموجودة في كيان كل إنسان تثور بين فترة وأخرى لتكبح جماح النفس الأمارة بالسوء. ولتصرفها إلى الواجهة الصحيحة. محاولة تطهيرها من شوائب الذنوب والمعاصي التي علقت بها، ودنستها.
وغالباً ما تثور هذه النظرة في مواسم الخير والبركة، ويحل علينا في هذه الأيام موسم من هذه المواسم، وهو شهر رمضان الكريم. أعظم فرصة لتنقية الروح والتوبة إلى الله، والاستغفار من جميع الذنوب والخطايا التي ارتكبناها ونرتبكها. ما أجمل أن يرفع الإنسان يديه إلى السماء. ويمدهما إلى الكريم الذي لا يخيّب سائله، وما أجمل أن يخر العبد ساجداً بين يدي ربه يسأله العفو والرضوان، وما أجمل أن تدمع العين خشية من الله وحده دون سواه
فهو الخالق المعبود، وما سواه عبد حقير. وما أجمل أن يفتح المرء كتاب ربه. المصحف الشريف ليقرأ آيات الذكر الحكيم بكل خشوع وخضوع لينهل من المعين الثر، والمورد الصافي العذب الزلال، ففيه الأجر والثواب، وشفاء الصدور.
وتحضرني في هذه اللحظة قصة رأيتها بعيني، أصيب أحد أصدقائي، وأقرب المقربين إلى نفسي، بصدمة نفسية خطيرة زلزلت كيانه، وهزت وجدانه، وجرحت عاطفته جرحاً غائراً بليغاً، كان ذلك فجأة ودون أي مقدمات، قابلته بعدها مباشرة، كان يبكي بكاء مراً قوياً، ويصرخ بأعلى صوته، ثم ما لبث أن ضحك وقهقه، ثم عاد للبكاء والصراخ والنحيب، وانتابته هالة هستيرية عجيبة،
خشيت بسببها عليه من الجنون، لم أدر ما أصنع له، فأنا في خوف وقلق عليه، هل أذهب به إلى المستشفى، أم أحضر له حبوباً مهدئة، أم ماذا؟! وأنا في هذه الحالة تذكرت الذي يجب ألا ننساه، كتاب الله، وهرعت مسرعاً لأحضر المصحف الكريم، وأعطيته لصاحبي، الذي أخذ يقرأ شيئاً فشيئاً، ولم تمض دقائق معدودة حتى عاد إلى حالته الطبيعية، وزالت عنه تلك الحالة التعيسة الكئيبة
رمضان



فرصة للتقرب إلى الله جل وعلا. والانكباب بين يديه.فرصة للتصافي والتآخي، ونسيان الضغائن والأحقاد.فرصة للتآلف بين المسلمين واتحاد الرأي والكلمة، ومواجهة العدو الحقيقي
الموت



صدق ذلك الشاعر النبطي البدوي إذ يقول:



«يا ناس يا ويلي من الموت ويلاه



يا كيف انا بادله وهو مقتفيني»



الموت. الحق الذي نكرهه، والزائر الذي نخافه، ونهابه، ونهرب منه، ومن ذكراه - للأسف.


مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بالإكثار من ذكره، لنزهد في هذه الحياة الفانية، وتزداد آمالنا في الحياة الباقية،
الحياة الحقيقية
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب

متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب»


وما أنا إلا واحد من الناس أكرهه كغيري، وازداد كرهي له حينما رأيت ملامحه في الأيام الماضية، وأنا محمول على السرير الأبيض إلى غرفة العمليات، وتمنيت ما تمناه الأمير محمد السديري «رحمه الله».


سلطان شفت الموت مره ومره


والثالثه شفته كشر لي بنابه


ما ابيه مير إنه بلاني بشره


زود على خيله جذب لي ركابه


لو هو ظهر لي في صحاصيح بره


والله فانا يا ابوك لا عطب صوابه»


وأيقنت عندها أن الوزير أبا محمد المهلبي كان كاذباً حينما قال في سنوات بؤسه وفقره
ألا موت يباع فاشتريه


فهذا العيش ما لا خير فيه


ألا موت لذيذ الطعم يأتي


يخلصني من العيش الكريه


إذا أبصرت قبراً من بعيد


تمنيت لو اني ممن يليه


ألا رحم المهيمن نفس حر


تصدق بالوفاة على أخيه
فالحياة جميلة مهما كانت مرارتها وبؤسها، والشقاء يزول ويعود، ولكن الحياة إذا زالت لا تعود إلا يوم الحشر.




خاتمة المطاف:


«ولمّا رأتني في النزاع تعطفت


عليّ وعندي من تعطفها شغل


دنت وحياض الموت بيني وبينها


وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل




طلال العبد العزيزالرشيد ( رحمه الله)

ليست هناك تعليقات: